نقد كتاب مسألة في شرح خبر (إن حديثنا صعب مستصعب)
كعبة الله :: الفئة الأولى :: المنتدى الأول :: القرآنيات
صفحة 1 من اصل 1
نقد كتاب مسألة في شرح خبر (إن حديثنا صعب مستصعب)
نقد كتاب مسألة في شرح خبر (إن حديثنا صعب مستصعب).
المؤلف هو كاظم ابن قاسم الرشتي وهو عبارة عن سؤال عن جزء من حديث سأل عنه السائل وأجاب عليه المؤلف الذى قال :
"إن الأخ الأمجد الأنجد الجواد الشيخ الجواد بدكة سلمه الله وأبقاه وحرسه ووقاه قد أتى الحديث صعب مستصعب من قولهم ( إن حديثنا صعب مستصعب أجرد كريم ذو كنوان مقنع لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ) وأراد رفع حجابه وكشف نقابه وحل مشكلته وفتح مقفله وتحقيق معاينته وشرح دقائق مبانيه وقد ظن السراب شرابا والتراب كتابا والزجاج جوهرا والأجاج عذبا قرانا والسحاب سماء وما أنا والولوج في هذا البحر المتعاظم والتيار المتلاطم إلا أنه سلمه الله تعالى حيث ظن في خيرا أرجوا منه سبحانه أن يمدني للصواب ويمدني بفصل الخاطب فإن من أحسن الظن ولو بحجرا لقى الله الخير به إليه كما ورد عنهم."
قال سيدنا وعمادنا ومولانا ما معنى قول أمير المؤمنين وقد سأل هل رأيت رجلا في الدنيا فقال : رأيت رجلا وأنا إلى الآن أسأل عنه فقلت له من أنت قال أنا الطين فقلت من أين فقال من الطين قلت إلى أين فقال إلى الطين فقلت من أنا فقال أنت أبو تراب فقلت أنا أنت فقال حاشاك حاشاك هذا من الدين في الدين أنا أنا وأنا أنا أنا ذات الذوات والذات في الذوات للذات فقال عرفت فقلت نعم فقال أمسك "
وبدلا من أن يقول المؤلف أن الرواية لا تصح لتناقضها مع كلام الله فحديث الهداة لا يمكن أن يكون صعب مستصعب لأن كلام الله سهل يسير كما قال تعالى " ولقد يسرنا القرآن للذكر "
الثانى التصديق برواية من أحسن الظن ولو بحجرا لقى الله الخير به إليه وهى رواية كفرية معناها أن من صدق أن الصنم وهو حجر أو خشب أو معدن ينفع بنفع وهو كلام لا يمكن ان يصدر من مسلم
وفى الإجابة قال الرشتى الكثير من عقائد الصوفية مختلطة بالفلسفة التى سنتعرض لها فى الفقرات التالية:
أقول : اعلم أن هذا الحديث الشريف رواه الشيخ رجب البرسي في كتابه مشارق الأنوار وهو من غرائب الأخبار ومفصلاتها قد تاهت في حله طامحات العقول والأحلام وخرت عن إدراكه الأكابر من الحكماء والعلماء الأعلام وقد أجبت إن كلف لشرح هذا الحديث الشريف في حال اجتماع القلب والحواس لأزيل عنه لواضح البيان كل شبة واشكال وإلتباس زإن لي في هذه الحال مع كمال تبلبل البال واخلال الأحوال وعروض الأعراض المانعة من استقامة الحال شرح حقيقة الحال والبسط في المقال واستخراج غوامض الأسرار ولكن الميسور لا يسقط بالمعسورفأقول : وبالله التوفيق إن السائل في جميع الأحوال والأطوار لم يزل مستمدا من العالي وسائلا منه المدد في التكوين والتشريع وفي العلم والتصوير والوجود ولما كان مولانا وسيدنا أمير المؤمنين هو العلي العالي الأعلى وهو المستعلى المشار إليه في الدعاء في الصحيفة السجادية بعد الفراغ من صلاة الليل (و استعلى ملكك علوا سقطت الأشياء دون بلوغ أمده و لا يبلغ أدنى ما استأثرت به من ذلك نعوت أقصى نعت الناعتين ، شرح نهج البلاغة 6/182 ) الدعاء ، ولما كان هو العالي وليس أعلى منه ومن أخيه وسيده رسول الله (ص) وهما حقيقة واحدة ولكنه في مقام التفصيل ومظهر أحكام الرسول كان مسؤول كل سائل ومطلوب كل طالب والسؤال إنما يسأل عنه والجواب إنما يراد منه فهو مجيب كل سائل وحلال كل مشكل بنفسه الشريفة أو بإبداله الأئمة الهداة أو بألسنته ونوابه وخلفائه وحملة علومه ومعارفه وسنته وآدابه لأنه الحكم الذي جعله الله للناس عند التشاجر والتنازع والاختلاف وقال عز وجل من قائل ((فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما )) ،"
الخبل هنا هو أن الرشتى جعل على العلي العالي الأعلى بقوله"ولما كان مولانا وسيدنا أمير المؤمنين هو العلي العالي الأعلى وهو المستعلى المشار إليه في الدعاء في الصحيفة السجادية بعد الفراغ من صلاة الليل (و استعلى ملكك علوا سقطت الأشياء "
وأقل الناس فهما سيعرف أن على هنا هو الله تعالى عن ذلك لأنه الأعلى والعجيب أنه ناقض نفسه فبعد أن جعل على وحده هو الأعلى عاد فجعله هو ومحمد(ص) فى نفس المرتبة فقال "وليس أعلى منه ومن أخيه وسيده رسول الله (ص) وهما حقيقة واحدة"
والجنون أن على ومحمد (ص)شىء واحد وهو بمثابة قول النصارى أن الثلاثة واحد فالاثنين هنا واحد
والغريب أيضا أن الرشتى جعل على " مجيب كل سائل" وهو ما يعنى أنه الله تعالى عن ذلك وهو بذلك يشبهه بالله فى قوله " أمن يجيب المضطر إذا دعاه"
والغريب أنه ناقض نفسه فجعل على ميتا وله أبدال هم الأئمة ولا ندى كيف يكون مجيب السائلين وهو ميت ثم قال:
"ولما جعله حاكما وبالحق ناطقا وللأمة هاديا و إلى الصراط دليلا مرشدا وللرشد بينا قال عز وجل من قاتل يوم نصبه وإظهاره علما و إلى الحق سلما ((اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم و اخشون اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا ،))
ولما كان الجهل بالحقائق والأسرار ليس من إكمال الدين ولا من إتمام النعمة بل هو نقص بالدين ونفي للنعمة ونقص لعرض الحكيم فإنه خلق الخلق من معرفة وجعل عليها دليلا من إرشاده بقوله ((هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة)وإذا ثبت أن أمير المؤمنين هو الحكم العادل والعلم الفاصل للخطاب توجه إليه السائل هل رأيت رجلا وهذا السائل على ما يظهر لي هو رجل من الكروبيين وهو رجل من الشيعة خلف العرش لو قسم نور واحدا منهم على أهل الأرض لكفاهم وهم الذين يصلحون لهاذ السؤال بلسان المقال والحال وفطرة والكينونة وأما ما عداهم فسائلهم محيض للسان المقالي دون الحالي و الإستعدادي وتقدير السؤال أنك يا أمير المؤمنين عليك وعلى الإسلام آلك السلام هل رأيت رجلا يعني إنسانا كاملا جامعا لجميع الكمالات ومهيمنا على معاني كل الصفات ومظهرا لجميع الظهورات بحيث يكون الكائنات كلها والموجودات بأسرها لديه كالرحى الدائرة على القطب وكالخاتم في الإصبع وذلك لكمال خضوعه لله وتسليمه لأمر الله وانقياده لحكم الله وطاعته لله والإذعان لأمره ونهيه ومراده بذلك يعرف الولي المطلق والمهمين القائم بالحق ليكمل إيمانه ويعظم إيقانه وينال بالإنقياد له في طاعة الله سبحانه من منتهى المرام من السكنى بالجنة دار السلام وهذا هو المارد بقوله هل رأيت رجلا إذ لو كان مطلق الرجل كان سآله سؤالا عن البديهيات وطلبا للضروريات وذلك من قبحه في نفسه لا يناسب هذا البيان الغامض لوجود التطابق بين السؤال والجواب فكيف يكون السؤال من البديهي "
ونجد الرشتى فى الفقرى يناقض نفسه فمرة يجعل السائل من الكروبيين وهو تعبير نصرانى يدل على حملة العرش من الملائكة ومرة يجعله رجل من الشيعة بقوله"وهذا السائل على ما يظهر لي هو رجل من الكروبيين وهو رجل من الشيعة خلف العرش "وحتى لو أراد أن الملائكة شيعة فهو أمر يتناقض مع كون الملائكة خلقت قبل البشر كما قال تعالى " وإذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشر من طين"ومن ثم من المحال أن يكونوا شيعة قبل وجود على وغيره
ونجد الرشتى يصف على بأوصاف الله وهى العلى الحكيم فيقول:
"ويجيب أمير المؤمنين وهو العلي الحكيم عن نظري الذي لا يصل إلى أدنى معاينة إلا واحد العصر وفريد الدهر وعلامة الكون فصح ما ذكرناه من أن مقصود السائل هو الرجل الكامل البالغ الحامل المهيمن في الظاهر والباطن والصورة والحقيقة على الوجه الأكمل والكمال الأبلغ الذي ليس دونه كمال ولا فوقه جلال ولا جمال في الرتبة الإمكانية الخلقية ولما كان الجواب يجب أن يكون على مقدار معرفة السائل وإدراكه وإلا فكان الجواب عبثا والمجيب لا يكون حكيما "
ويناقض الرشتى نفسه فيقول عن على هو الله بقوله" ويجيب أمير المؤمنين وهو العلي الحكيم " ثم يصفع بأوصاق الخلق المخلوقين فيقول:"الرجل الكامل البالغ الحامل المهيمن في الظاهر والباطن والصورة والحقيقة على الوجه الأكمل والكمال الأبلغ الذي ليس دونه كمال ولا فوقه جلال ولا جمال في الرتبة الإمكانية الخلقية"
ويبين الرشتى خبلا أخر هو أننا مخلوقين من شعاع نور المحمدية فقال:
"ولما كان الخلق كما ثبت بالأدلة القطعية من العقلية والنقلية قد خلقوا من شعاع نور المحمدية وأنت تعلم أن الشعاع والنور إنما يكون إشراقه وتحققه بعد تحقيق جميع مراتب المنير وتماميتها إلى كمال ظهوره في عالم الشهادة بإتمام جسمه وجسده فإذا تمت كينونة المنير ظهر وبرز منه الشعاع والنور فالنور مستمد في تذوته وتجوهره وتحققه إلى عالم الشهادة من المنير أي مقام جسمه كما ترى من استنار نور الشمس والسراج فإنهما مستندان إلى شهادة الشمس والسراج وظاهر جسمهما لا إلا غيبهما وحقيقتهما كما هو الظاهر المعلوم"
وقطعا نحن مخلوقين من آدم (ص) كما قال تعالى " اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء"
ومحمد(ص) لا يمكن أن يكون قبل آدم (ص) بأى شكل من الأشكال لأن له شجرة نسب معروفة عند القوم فلو كان قبله ما نسبل لأجيال من أولاد آدم(ص) ثم قال :
" فحيث كان الأمر كذلك كانت الموجودات من حجاب الكروبيين إلى مالا نهاية له مستنده إلى جسم الحقيقة المحمدية بعد تمام مراتبها من مقامات الأرواح والعقول والنفوس وتنزلها إلى عالم الأجسام والأجساد الجوهرية أراد أن يبين للسائل إن ذلك الرجل الكامل الذي هو الذات وذات الذوات في كل الذوات هو بشريتهم الظاهرة في مقام الشهادة الجسمانية ثم أراد أن يبينه إن عالم شهادتهم ليس هو ذاتهم وحقيقتهم وإنما هو سبيل ظاهريتهم ومقام انتهى إلى أشباحه وشؤونه كلما سويهم وإنهم في ذاتهم وحقيقتهم غيب لا يحاط به علما ولا ينال حدا ولا رسما ومع ذلك (( عباد مكرمون لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا )) وبشرح هذه الأحوال يكمل ويصف ذلك الرجل المفصال وغيره الحق عن حادثات الذوات والصفات والأفعال والأحوال فأشار إلى القسم الأول بقوله ، فقال رأيت رجلا وإلى الآن أسئل عنه ، وهذه الرؤية رؤية إحاطة عيان ولا إخبار يورث اليقين المعبر عنه بعلم اليقين المكنى عنه بالرؤية وهذا الرجل هو بشريتهم الظاهرة ، فإن شئت قلت بشريته أو بشرية باقي الأئمة فإنهم كلهم سواء في هذا المعنى ، فنحن نفرد الضمير ونشير فيما بعد إلى أمير المؤمنين لأنه في هذه الأحوال فخرهم وسيدهم وولي الأمر ويميرهم العلم أي يكمل ويقدر لهم من قوله تعالى { و نمير أهلنا } ولذا كان أمير المؤمنين دون غيره ، ومرادنا بالبشرية ليست هي الظاهرة في الخلق من قوله تعالى { و للبسنا عليهم ما يلبسون } وإنما المراد بها رتبة الجسم لأن الحدود على الوجه الأكمل إنما ظهرت في عالم الأجسام دون غيرها ، وظهور الشعاع والنور هو ذوات الموجودات وحقائقها ، وكينوناتها إنما تذوتت وتحققت وتأملت وتشيئت بعد تمام عالم الشهادة الذي هو عالم الجسم بالنسبة إليه فذوات الحقائق كلها إليه منتهى "
ونجد الرجل يخرف ففى الفقرة فيقول بجسمية الحقيقة المحمدية ومع هذا يقول أن لها مقامات الأرواح والعقول حيث قال فى الفقرة" مستنده إلى جسم الحقيقة المحمدية بعد تمام مراتبها من مقامات الأرواح والعقول والنفوس وتنزلها إلى عالم الأجسام والأجساد الجوهرية"
وقال الرشتى:
وقوله ( وإلى الآن أسأل عنه ) وهذا السؤل ليس عن جهل حاشا وكلا وإنما هو من قبل قوله تعالى { و ما تلك بيمينك يا موسى } وأمثالها ، وأنا أراد بهذا السؤال هو الكشف عن لسان كينونته وذاته وهو في مقام ذاته وحقيقته يفيض في مقام جسمه وهو أي دائما ينطق ويتكلم بنحو ما أخبر عنه ولما كان مقام الجسم مقام الانجماد والكثافة والغلظة ولا يكون ذلك إلا بغلبة اليبوسة والبرودة فإن الحرارة ترفق وتلطف وتذيب ، قال ( فقلت له من أنت فقال أنا الطين بعيني ) قلت للجسم الغليظ الذي كل الموجودات الكثيفة الغليظة واللطيفة الرقيقة تنتهي إليه ( من أنت وما حقيقتك وذاتك ) ليعلم الناس مقامك ومنزلتك مع ما أنت عليه من سمو المنزلة وعلو الدرجة فأجاب وقال ( أنا الطين أي أنا حقيقتي التراب ) أدنى المقامات وأسفل الدرجات لا درجة ولا مقام ولا مرتبة أسفل وأدنى من مرتبة ومنزلة ، فإن التراب له مقام يكون كل شيء من الموجودات بساطتها ومركباتها أعلى منها وإنما قال الطين ولم يقل التراب لأن الطين فيه إنجماد وانعقاد بخلاف التراب فإنه اعم من ذلك فمراده إن مقامي مقام الإنعقاد والكثافة بالنسبة إلى العوالم والمقامات التي فوقي فإنه مقام الذوبان ومقام ظهور الأسماء والصفات وأنحاء التجليات وأطوار الربوبيات بخلاف مقامي فإنه طين منعقد وتراب منجمد ، وأشار أيضا إلى كمال مقام العبودية والخشوع والخضوع والمسكنة والتذلل والامكان والفقر والفاقة وقلة الحيلة وظهور تمام الضعف وانفعاله المنطلق وانكتاره العام وعدم الارتفاع وكمال الانخفاض وأمثالها من المراتب المناسبة لمقام الطين والتراب ، فإن الجسم الشهودي بالنسبة إلى المقام الغيبي كما ذكر من لسانه المقالي والغالي ، فلو كان مقام أدنى وأقل وأضعف من التراب لعبر عنه بدو لكنه أدنى وأقل وأسفل من التراب ليس في الوجود شيء ، ولذا عبر عنه به ثم سئل تعليما له وثبتها للخلق حتى يقع السؤال ويذكر الجواب عن مبدئه ومادة وجوده وأصل نشوه وحقيقة ذاته"
ونجده يخرف مناقضا نفسه فيقول أن التراب أدنى المقامات وأسفل الدرجات بقوله"وقال ( أنا الطين أي أنا حقيقتي التراب ) أدنى المقامات وأسفل الدرجات " ويناقض نفسه بأنه لا يوجد له درجة ولا مقام فى قوله خلفها مباشرة"لا درجة ولا مقام ولا مرتبة أسفل وأدنى من مرتبة ومنزلة" ثم قال :
"فقال و فقلت له من أين فقال من الطين ، فلما كانت الأشياء لا تتعدى مبدئه وإنما ينتهي إلى ما خلقت منه ولما كان عالم الأجسام إنما خلقت من التراب بمعنى أنه من الجزء الغالب لأنه ليس فيها عنصر إلا التراب وإنما المراد إن الغالب فيه هذا العنصر والشيء إنما ينسب إلى الغالب كما يقال فلان صفراوي أو دموي أو بلغمي أو سوداوي مع أنه فيه غيرها ولكنه نسب إلى الغالب فلذا قال هذا الرجل العظيم الكريم مبدئي من الطين كما قال تعالى للملائكة { إني خالق بشرا من طين فإذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين } وقال تعالى { و من آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون } وقال تعالى { خلق الإنسان من صلصال كالفخار }"
ويعود الرشتى لمناقضة نفسه فمرة يقول أن الإنسان ليس له عنصرى إلا التراب فقط بقوله" لأنه ليس فيها عنصر إلا التراب" ويعود فيبين تعدد العناصر مع التراب فيقول " وإنما المراد إن الغالب فيه هذا العنصر والشيء إنما ينسب إلى الغالب كما يقال فلان صفراوي أو دموي أو بلغمي أو سوداوي مع أنه فيه غيرها" ثم قال :
" وقال تعالى { منها خلقناكم } ولا ريب أن آدم أبو البشر أبو الأجسام والأجساد دون الأرواح والأشباح ، فثبت أن الجسم إنما خلق من الطين وهو الغالب ولذا صح الانعقاد والانجماد وسكنوا الأرض واستقر في التراب كل ذلك رعته المناسبة الفطرية والمشابهة الكينونية ولما كان المقام مقام الجسم أنى بالجواب الصواب ، وقال ( أتيت من مقام الطين والتراب ) خلقت منه عبره لألي الألباب ثم سئل بلسان إمداده وإفاضته من الرجل الجسماني عوده ومنتهى سين
وقال فقلت له ( إلى أين ) فقال بلسان مقاله واستمداده واسترفاده وكينونته ( إلى الطين ) لما كانت الأشياء تعود إلى ما بدأ منه وهذا الرجل الكامل إنما كان بدأ إيجاده وحقيقة انوجاده من الطين كما نص عليه سبحانه واعترف هو تباعا لله سبحانه فيكون عوده إليه وهو قوله تعالى { كما بدأكم تعودون } وقوله سبحانه إشارة إلى هذا الرجل وأنوار أشباح نوره بالتبعية { منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى } فهذا الرجل هو الرجل خلق من الذليل ويعود إلى الذليل وذلك بالنسبة إلى خالقه ومبدئه والمراتب المتقدمة علية من نحو قولة علية السلام في الزيارة الجامعة (و ذل كل شيء لكم ، من لايحضره الفقيه 2/615 ) لأن مبدأ الأشياء وعلة وجودها إذا ذلت الشيء فالأشياء بالطريق الأولى لأن المعلول ذليل علته عند والشعاع ذليل عند منيرة والفروع ذليلة عند أصولها فإذا كان المنير والأصل ذليلا لشيء فهو بالتذلل أولا ولما كان الإمام أمير المؤمنين قد ظهر للعالم في مقام جسميته وليس للخلق طريق إلى مقام ما وراء هذا المقام حتى يعرفوا بما عندهم من العلة لأن حقائق الموجودات كلها منقطعة عند هذه الظاهرية التي تنتهي إلى مقام جسمه الذي هو أسفل مراتبه وآخر مقاماته ولا ترى الأشياء فوق هذه الرتبة رتبة ولا وراء هذه المرتبة مرتبة وترى أن تلك الحقيقة الإلهية منحصرة في هذه الرتبة الجسمية أراد كشف هذه الحقيقة وذكر هذه الدقيقة وبيان إن الذاتي هو منير ومبدأ لما سواه من الذوات والصفات أولا وأكمل بل هو المتعين إذ العالي يعرف مقامة للسافل الذي تنتهي إليه نسبته ولذا سأله مبينا للمقال وتوضيحا لشرح حقيقة الحال كما قال تعالى لعيسى ((يا عيسى ابن مريم أ أنت قلت للناس اتخذوني و أمي إلهين من دون الله)) حتى يقول ((سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق)).
فمن هذه الجهة سؤل أمير المؤمنين هذا الرجل الكامل الترابي دفعا لشبهته ما تخيل الناس من جهلهم بحقيقة الواقع أو يلبس عليهم أهل التلبيس "
والرشتى يقول هنا ان مقام على هو الجسمية بقوله" ولما كان الإمام أمير المؤمنين قد ظهر للعالم في مقام جسميته وليس للخلق طريق إلى مقام ما وراء هذا المقام "وهو ما يخالف كونه من النور لأنه الحقيقة والذات بقوله"وظهور الشعاع والنور هو ذوات الموجودات وحقائقها"
ثم قال الرشتى مكررا كون على من النور :
"فقال: فقلت من أنا فقال أنت أبو تراب فقلت أنا أنت فقال حاشاك حاشاك هذا من الدين فسئل أولا عن رتبة مقامه ومرتبة ذاته وحقيقته .
فأجاب الرجل بالرسم والأثر فقال أنت أبو تراب يعني ليس لي حظ من معرفة ذلك وحقيقتك إلا إني فرع من فروعك وشعبة من شعب نورك وحيث كنت أنا التراب وقد انشعبت عنك وتفرعت منك وتقومت بك وتحققت لك وأنا بيت ظهوراتك ومأوى تفاصيل حدودك فأنت أبو تراب والمراد بل أب هو الأصل الذي تفرع عنه الفروع والأصول وتقومت به وحيث إني خلقت من التراب وعودتي إلى التراب وأنا إنما تقومت بك وتحققت بك فأن أبو تراب فلاحظ لي بمعرفتك أكثر من ذلك وإليه يشير الشاعر بقوله :
منتهى الحظ ما تزود منه اللحظ
والمدركون ذاك قليل"
والمقصود قوله"يعني ليس لي حظ من معرفة ذلك وحقيقتك إلا إني فرع من فروعك وشعبة من شعب نورك "
وقال خالطا الأمور ببعضها :
"فليس لي بحقيقتك وذاتك ولا بالأطوار مراتبك ولا بأسرار حقيقتك ما أعرفك إلا أنه أصلي وبك تحققي أنك البشري الذي خلق من الماء في قوله تعالى (( و هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا و صهرا ))
ولا ريب أن هذا البشر ليس غيرك وحيث إنك خلقت من الماء وأنا من التراب والماء أصل وبك تحققي لأنك وأب للتراب فأنت إذا أبو تراب فلما كشف عن حقيقة المقال وصرح بحقيقة الحال وبين أنه عاجز عن إدراك ذاته وحقيقته فضلا عن الوصول إلى درجة ومرتبة أراد زيادة التوضيح وزيادة البيان وشرح حقيقة الحال بالتصريح فقال فقلت أنا أنت وأنت أنا يعني معك متحد الحقيقة ومتحد الذات كما يتراء للخلق فأجاب بكله وسره ولبة وقال حاشاك حاشاك أنت أنت أجل من أن تنسب إلي بتحاد الحقيقة وأنت وأنت أعلى من أن يقال أنا أنت أنت السر ألا ريب وأنت الغيب الذي لا يدرك أنت في نقام ألا تعين أنت أول قصبة الياقوت أنت حجاب الله في اللاهوت وأنا شخص ناسوتي ووجه شهودي وأصل ترابي وأين التراب ورب الأرباب أين الثرى من الثريا أين السافل من العالي أين المادي من المجرد المحض أين المستمد من المدد أين الفرع من الأصل أين النهاية من لا نهاية أنت الأصل وأنا الفرع أنت لا تعين وأنا آخر مراتب التعيين أنت الغير المحدود وأنا المحدود في أدنى مقامات الحد أنت الغير المتناهي وأنا المتناهي أنت في حجاب الواحدية وأنا في الرسوم الجسمية أنت سر اللاهوت أنا أصل الناسوت أنت البحر التيار المتلاطم أنا القطرة المنعقدة المنجمدة ببرودة الإنية أنت شمس الأزل أنا كوكب عالم المثال أنت سر المثال وأنا فرع المثال ولكن بين المثال أنا فرع له والمثال الذي أنت سر له مراتب لا تتناهى ولا تتكيف بل لا نسبه ولا إرتباط أنت أنت سر الاسم الأعظم الأعظم الأعظم وأنا اللفظ الأدنى الأدنى أنت سماء الكرامة وأنا أرض المذلة وأنت ماء الحياة وأنا تراب الممات أنت معدن العلم أنا مظهر الجهل أنت سر الرفعة وأنا منتهى الضعة وبالجملة فأين الثريا من يد المتناول وأين أنا منك حتى يقال أنا أنت ثم لما استبعد وتحاشى عن هذه النسبة كما تحاشى واستبعد عيسى ونزه ربه وقال (( سبحانك )) كذلك هذا الرجل الكامل والإنسان الواصل عرف مقامه مع مبادئه العالية وجواهر أوائل العلل وخضع واستكان واعترف وأبان ثم أراد أن يبين إن هذا الذي ذكرت وهذا الجواب الذي فصلت هذا من الدين الذي يجب علينا أن نعتقده ونقر به ونعترفه وإلا فما أنا والوصول إلى رتبه مقامك لأني ما أقول إلا ما هو في مقامي وما درك إلا ما يناسب رتبتي كما قلت سيدي (إنما تحد الأدوات أنفسها و تشير الآلة إلى نظائرها ، بحارالأنوار 4 / 229)"
وفى الفقرة السابق يخلط الرشتى الفلسفة بالنصرانية من خلال الحديث عن اللاهوت والناسوت والعالى والسافل ....وهو كلام لا يصدر من المسلمين لأنه كلام يتعلق عندهم بما يسمونه طبيعة المسيح (ص) الإلهية تعالى الله عن ذلك وطبيعته الإنسانية المخلوقة وهو كلام اتهام لله تعالى عن ذلك واتهام لأمه مريم(ص) ثم قال :
"ولكن الذي أدين به والطريق الذي أسلكه دعاني هذا الإقرار و الاعتراف فقولي هذا من الدين الإلهي وفي الدين نعني لدين كما يقال الحب في الله أي لله فاعترافي هذا للدين أدين به الله وأعتقده فإنه يجب على من الله أن أسلم لأهل الفضل فضله وانقاد واخضع للذي فضله الله على وعلاه إلى مقامه وهذا شرح حالي وحقيقة ذاتي أما ذاتك فلا أعرفها سوى أنك أبو تراب وأما ذاتي فهي التي عرضتها عليك وأنت أعلم به مني بأني الطين ومن الطين وإلى الطين وما أنت أنا فحاشاك حاشاك أين التراب ورب الأرباب وأين الثريا من يد المتناول فلما شرح هذا الرجل مقام خضوعه وخشوعه وتسليمه وانقياده لباب مدده أراد أن يبين مقامه بالنسبة إلى غيره من سائر المخلوقات والموجودات والذوات والصفات والحقائق والمجازات والجواهر الأعراض والأصول والفروع وسائر مراتب الموجودات فقال أنا أنا وأما أنا اعلم إن أنا إنما يقال عند التعين والتشخص وحمله بأنا أيضا للدلالة على الاستقلال والتذوت والتحقق كما في قولهم أنت أنت فأنت المحمول ليس من باب حمل الشيء على نفسه وإنما يراد به الاستقلال والتذوت والكمال فقوله أنا أنا يعني إني المتفرد المستقل الكامل وأليه الإشارة بقوله في عمران الصابي في معنى الاختراع أنه (خلق ساكن لا يدرك بالسكون ، بحارالأنوار 10 316)يعني خلق مستقل بالنسبة إلى ما عداه بالله سبحانه لكن لا يدرك بالسكون الذي هو ضد الحركة إذ ليس هو المراد من هذه العبادة وإنما يراد به الاستغلال والتذوت الإضافيان وإنه وإن كان مستقلا لكن حين تذوته وإظهار أفعاله لا يلحظ ولا يدرك ولا ينظر إلى استقلاله وإنما الاستقلال لله سبحانه وتعالى ، فحين لا يلاحظ استقلاله مستقل متذوت وإن لوحظ استقلاله فإنه مضمحل فاستقلاله في اضمحلاله محدد له في استقلاله وهو قول أمير المؤمنين في صفة النفس الملكوتية الإلهية (نعيم في شقاء و عز في ذل بحارالأنوار 58/85) الحديث ، وإلى هذا المعنى أشار قول الشاعر :
اقتلوني يا قطاتي إن في قتلي حياتي
وحياتي في مماتي ومماتي في حياتي"
ثم زعم الرشتى خلق الموجودات ومنهم الشيعة من الحقيقة المحمدية فقال:
فإذا عرفت المراد من قوله حكاية عن الرجل الترابي ( أنا أنا ) فاعلم أن الموجودات ما سوى الحقيقة المحمدية إنما خلقت من فاضل شعاع نورها والروايات به متظافرة متواردة وهو قوله ( إنما سميت الشيعة شيعة لأنهم خلقوا من شعاع أنوارنا )( اللهم إن شيعتنا خلقت من شعاع أنوارنا ، بحارالأنوار 53/302) ولا ريب أن الأثر والشعاع إنما يكون بعد تمام المنير في جميع مراتبهم الذاتية في تنزلاته إذ الشيء قبل أن يتم كينونته لا يمكن أن يكون مصدورا ممتنا للشيء الآخر بالضرورة ولما كانت مراتب التنزلات كما برهنا عليه في سائر مصفاتنا وأجوبتنا للمسائل انتهت غلى عالم الجسم وهو الرتبة السادسة التي بها تمام الشيء فيكون النور المتشعشع المشرق على جميع قوابل جميع الكائنات وذرات الموجودات من فاضل نوره أس نور الجسم وهو الرجل الترابي فلجسمه الشريف هيمنة واستقلال بالنسبة غلى جميع ما سواهم وهذا الاستقلال عين الاضمحلال كما فسرنا لك وفسر لك الرجل بأنه من الطين وإلى الطين وإنه هو الطين "
وهو كلام إما أن الرجل جاهل به وإما إنه يريد إضلال الناس فمعنى خلق الموجودات من الحقيقة المحمدية وهى النور والشعاع أنه لا يوجد كفرة ولا يوجد أعداء للشيعة لأن الكل خلق من نفس النور
ثم قال :
"وأي خضوع أعظم من ذلك ولكنه مع هذا الاستقلال له هيمنة واستقلال واستعلاء على كافة الموجودات من الكروبيين والأنبياء والمرسلين وجميع المخلوقين فهو وإن قال أنا من الطين و إلى الطين بالنسبة إلى أبي تراب ولكنه بالنسبة إلى غيره قال ويقول أنا أنا يعني المتفرد المستقل وكلما سواه جعلني الله سببا لإمدادهم وإفاضتهم فأنا بالنسبة إلى الغير أنا "
وهنا يعتبر الرشتى على أفضل من الملائكة والرسل حتى محمد (ص) لهيمنتهخ عليهم ولا ندرى أين الهيمنة والعلو عليهم وهو ما يتناقض مع ما ذكره الرشتى فى أول الكتاب من كون محمد(ص) وعلى أخوين لا يعلو أحد منه على الأخر ثم قال:
"وبالنسبة إلى أمير المؤمنين وحقيقة طين وتراب فافهم الفرق واعرف الصدق وتفهم المقال وعلى من يفهم الكلام السلام وإنما قال انا أنا مرتين لأن الموجودات لا تخلوا من مقامين مقام التبوع ومقام الأصول ومقام الفروع ومقام المبدأ ومقام المشتق ومقام الإجمال ومقام التفصيل ومقام الغيب ومقام الشهادة ومقام العلة ومقام المعلول ومقام المنير ومقام النور ومقام الكلمة ومقام الدلالة ومقام الظاهر ومقام الظاهر ومقام التعيين ومقام اللاتعيين ومقام المقدمات ومقام النتيجة ومقام الوحدة ومقام الكثرة ومقام العالي ومقام السافل ومقام اللفظ ومقام المعنى ومقام الألف ومقام الحروف ومقام الحركة ومقام الآثار وبالجملة فجميع الموجودات لا تخلوا من هذين القسمين وهذا الرجل الترابي أبو البشر الجسماني الجسداني هو المستقل المتفرد في هذه المراتب كلها فهو الذي يقول أنا أنا في مقام المتبوع ويقول أنا أنا في مقام التابع ويقول أنا أنا في مقام الأصول ويقول أنا أنا في مقام المبدأ ويقول أنا أنا في مقام المشتق ويقول أنا أنا في مقام المنير ويقول أنا أنا في مقام النور وهكذا سائر المقامات التي لا تخلوا من المقامين والكل إليه مستند وبه معتد وعنه يستند فهو عاد العدل ومنتهى المدد فهو لا غيره وهو الذي ورد أنه دابة الأرض و الذي ورد أنه أمير المؤمنين فالمراد أنه إياها من حيث ظهوره في عالم الأجسام وتلبسه لباس النقش والأرسام وإلا فهو في رتبة ذاته برأ المعاني عن صفات الجواهر يحل عن الأعراض والأين و المتى ويكبر عن تشبيهه بالعناصر فاستناد الكائنات وحقائق الذوات إلى مقام جسمه وشخص رسمه وجسمه بنوره جعله الله تعالى سببا للإفاضة والإمداد والاستمداد وقوله في زيارة آل ياسين هذا شيء منا ألا وأنتم له السبب يراد بهذه المسبب في مقام الجسم لا حقيقة ولكنه ليس ذلك هو الجسم الظاهر بمدلول قوله تعالى ((و للبسنا عليهم ما يلبسون)) وقوله تعالى ((أنا بشر مثلكم يوحى إلي)) وقوله تعالى (لقد جاءكم رسول من أنفسكم))"
والغريب أن الرشتى يقول إن للموجودات مقامين فقط بقوله " لأن الموجودات لا تخلوا من مقامين" ةيعود فيذكر أكثر من عشرات مقامات فى الفقرة السابقة
ونلاحظ الجنون وهو وصف على بوصف الله فيقول فى الفقرة السابقة" وإلا فهو في رتبة ذاته برأ المعاني عن صفات الجواهر يحل عن الأعراض والأين و المتى ويكبر عن تشبيهه بالعناصر" ومع كونه الله فى الكلام السابق وهو ليس الله قطعا يعود الرشتى لوصفه بالجسمى وأنه يستمد كل قواه من الله فيقول فى الفقرة السابقة" فاستناد الكائنات وحقائق الذوات إلى مقام جسمه وشخص رسمه وجسمه بنوره جعله الله تعالى سببا للإفاضة والإمداد والاستمداد"
ويعود فى نفس الفقرة لنفى الجسمية عن على بقوله" ولكنه ليس ذلك هو الجسم الظاهر والأغرب فى الفقرة التالية أنه يعتبر على والأئمة مخلوقين ولكن بصورة أخرى فيقول:
"بل المراد به هو الجسم الذي أشار إليه مولانا السجاد بقوله (( ولو ظهرنا للناس بالصورة التي خلقنا الله عليها ما رآنا أحد إلا وقد مات ))"
ويقول:
" كيف لا وقد روي عن الصادق على ما في الصافي وكز دقائق وبصائر الدرجات وغيرها من الكسب المعترة إن الذي تجلى لموسى على نبينا و فخر موسى صعقا واندك الجبل وهلك بنوا إسرائيل رجل من الكروبيين أمره الله سبحانه أن يتجلى لموسى إظهار الكمال قدرته سبحانه بمقدار سم الإبرة من نور ذلك الرجل وهو ملك من الكروبيين والملائكة خدامهم فما ظنك بهم لو ظهروا بصورتهم الأصلية إذن والله هلكوا وقد ورد أن الحورية لو علقت شعرة فيها بين السماء والأرض لماتت أهل السماوات والأرض من حسنها وطيبها وورد أن المؤمن جالس على سريره في الجنة فإذا بنور عظيم قد اشرق عليه فمن أعظم ذلك النور ظن أن الجبار قد تجلى له فرفع رأسه ونظر فإذا الحورية أشرقت على بصره وسريره فلما نظرت إليه تبسمت وهذا النور هو المشرق من ثناياها فإذا كانت ثنايا الحور هذا صفة نوره فما ظنك بسائر جسده والجنة بحورها وقصورها كافة خلقت من نور الحسين فما ظنك بنوره لو ظهر فتبن لك مما بينا أن الذي ظهر حجاب قد احتجبوا الرعية حتى يتمكنوا من رأيتهم وينظرون إليهم من وراء الحجاب وأما جسمهم الحقيقي الذي مقام ترابهم فهو الذي بإشراق نوره تذوتت الموجودات وتحققت الكائنات وبذلك النور الظاهر من هيكل ذلك الرجل فتح الله الوجود وبه يختم فافهم .المراد وكن من أهل السداد لتهدى إلى سبيل الرشاد فذلك الرجل الترابي هو الذي يقول أنا أنا وأنا أنا وأنا أنا وأنا أنا وهكذا إلى ما لا نهاية له بتعبير استقلاله وتجوهره بالنسبة إلى الكائنات وحقائق الموجودات وما يلحقها من الأعراض والشرعيات فما أبان الرجل الطيني والهيكل الترابي بما جعله الله له من الحيثية والاستقلال والاستغلاء على سائر الذرات"
والرشتى هنا يقول أن من تجلى للجبل هو ملك من حملة العرش وهو ما يناقض قوله " فلنا تجلى ربه للجبل" والتجلى أساسا ليسوا ظهور الله وإنما أمر صدر من الله لأنه خارج الكون وهو المكان
ونلاحظ نور الحوريات المزعوم المستمد من مخلوق هو الحسين وهو رجل ميت لا يقدر على شىء هو وعلى وغيرهم من الموتى ولو كانوا يقدرون على شىء لمنعوا العذاب والقتل عن أنفسهم ولنصروا شيعتهم دون حاجة لسلاح أو حرب ولكنها النفوس التى ضلت وأضلن
ثم قال الرشتى:
"وعبر عن ذلك بالضمير المفصل أراد إيضاح الأمر وتبينه مع مزيد فائدته قد مرت وأشار إليها في مطاوي جوابه حيث كان الجواب لبيان الغير وتعلمه كما سئل أمير المؤمنين رسول الله (ص)عن أحوال الملائكة وفضل الأنبياء عليهم وهكذا سائر سؤولات الأئمة ولأنهم أعلم من السؤول من أنفسهم بتلك المسألة ولو كان السؤال لهم كان قبيحا ولولا للمصلحة لظهور الجواب في هذا المقام من نفس الرجل حسب ما أشار إليه أجاب بل وقف وجهد وسكن وأعرف بالفجر كما فعل سلمان لما قال أمير المؤمنين إلى أن قال يا محنة أيوب فلما سأله أمير المؤمنين قال أو تدري ما محنة أيوب قال لا أدري وهذا الرجل أفضل من سلمان بل من جميع الأنبياء وأعرف وأعلم منهم فكيف يتصدى بالجواب لكن لما كانت المصلحة في جوابه بلسانه خاصة لمصلحة تقمت الإشارة إليه الباب ثم أراد الإيضاح في الأمر والشف عن قوله أنا وأنا أنا وأنا فقال أنا ذات الذوات والذات في الذوات للذات يعني الذوات والحقائق وإن تأصلت وتحققت والجواهر إن تجوهرت إلا أن تحققها تجوهرها بي فأنا الذات التي قالت تلك الذوات والجواهري فأنا ذات لها فهي بالنسبة إلى العراض وإن كانت ذواتا وجواهر وإلى هذا المعنى أشار الشاعر بقوله في مدحه :
يا جوهرا أقام الوجود به والناس بعدك كلهم عرض
وهذا العرض القائم ليس قيامه عروضيا كالألوان للأجسام بل القيام صدوري كقيام الأشعة بالمنير والأنوار بالشمس والصور بالمرايا بالشاخص الخارجي فلما بين الرجل أنه الذات لتلك الحقائق وإنها قائمة بها أراد أن بين أن هذا القيام أي قيام الأشياء به وتقويمه إياها ليس باستقلال من نفسه ولا مشاركة مع ربه ولا تفويض يوجب الاعتزال بل هو ملك وعبد للذات الحق سبحانه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا وهو سبحاه القائم على كل نفس بما كسبت ولكن هذه الذات جعلها الله سبحانه سببا لقيام الأشياء وتحققها وفي الزيارة (فما شي ء منا إلا و أنتم له السبب بحارالأنوار 99/92 ) كما أن الماء والتراب سبب الزرع والله سبحانه هو الزارع فنفا عن نفسه الاستقلال وأثبت أنها ملك للغير وحقيقتها الطين ومرجعها الطين ومع ذلك مصدر هذه الأفعال العجيبة والآثار الغريبة وأول جواهر العلل فلا يتوهمن متوهم أنه مستقل في إظهار هذه الأفعال والآثار أوله شراكه مع الله تعالى أو أن الله سبحانه فوض إليه الأمر بل هو السبب الأعظم بالإفاضة والإمداد والإعطاء والله سبحانه هو الذي يجري فعله بالأسباب حتى اشتهر عند جميع الناس من العوام والخواص ((أن الله أبى أن يجري الأشياء إلا بأسبابها )) وذلك الشيء معلوم قال قال عرفت فقلت نعم قال فامسك وهذا القول من الرجل لأمير المؤمنين مع كماله ومعرفته وعلمه بأنه أعلم بنفسه من نفسه فضلا عما يتعلق بغيره كان من باب إياك أعني واسمعي يا جارة فالمقصود الرعية الغير المطلعين كما أن الله سبحانه بعد أن رفض بالقرآن قصة نوح وسائر الأنبياء قال ((كلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك)) وهو (ص)كان ثابت الفؤاد قبل أن يخلق آدم لأنه ق كان نبيا وآدم بين الماء والطين وذلك أيضا يراد به قومه فإن خاطبه بنفسه ق وكذلك قوله تعالى ((ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر))
وأي ذنب كان لرسول الله وبالجملة فقد قال الصادق القرآن من باب إياك أعني واسمعي يا جارة (نزل القرآن بإياك أعني و اسمعي يا جارة الكافي 2/630) وكذلك قول الرجل لأمير المؤمنين عرفت فإنه يريد به قومه وشيعته وذلك ظاهر معلوم ثم إن أجاب عن شيعته قال نعم كما أجاب رسول الله ق غرامته لما عرض عليه التكليف وأجاب (ص) قال تعالى ((آمن الرسول بما أنزل إليه )) ثم إنه ق أجاب غرامته كما أخبر الله عنه وقال ((و المؤمنون كل آمن بالله و ملائكته و كتبه)) ، وكذلك في المقام أجاب أمير المؤمنين غرامته فقال نعم ثم أومى أمته ورعيته وشيعته بالامساك وحفظ السر وعدم إذاعته مادامت الدولة للفاسقين فقال أمسك من باب إياك أعني واسمعي يا جارة فافهم الكلام ولو أردنا شرح جميع ما أعرف من المعاينة لاقتضى مجلدا كبيرا وأنا في شغل عن ذلك"
ونجد الرشتى هنا ينفى عن على كل ما قاله سابقا من أوصافا الألوهية وأنه المفوض عن الله بقوله " أراد أن بين أن هذا القيام أي قيام الأشياء به وتقويمه إياها ليس باستقلال من نفسه ولا مشاركة مع ربه ولا تفويض يوجب الاعتزال بل هو ملك وعبد للذات الحق سبحانه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا"
المؤلف هو كاظم ابن قاسم الرشتي وهو عبارة عن سؤال عن جزء من حديث سأل عنه السائل وأجاب عليه المؤلف الذى قال :
"إن الأخ الأمجد الأنجد الجواد الشيخ الجواد بدكة سلمه الله وأبقاه وحرسه ووقاه قد أتى الحديث صعب مستصعب من قولهم ( إن حديثنا صعب مستصعب أجرد كريم ذو كنوان مقنع لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ) وأراد رفع حجابه وكشف نقابه وحل مشكلته وفتح مقفله وتحقيق معاينته وشرح دقائق مبانيه وقد ظن السراب شرابا والتراب كتابا والزجاج جوهرا والأجاج عذبا قرانا والسحاب سماء وما أنا والولوج في هذا البحر المتعاظم والتيار المتلاطم إلا أنه سلمه الله تعالى حيث ظن في خيرا أرجوا منه سبحانه أن يمدني للصواب ويمدني بفصل الخاطب فإن من أحسن الظن ولو بحجرا لقى الله الخير به إليه كما ورد عنهم."
قال سيدنا وعمادنا ومولانا ما معنى قول أمير المؤمنين وقد سأل هل رأيت رجلا في الدنيا فقال : رأيت رجلا وأنا إلى الآن أسأل عنه فقلت له من أنت قال أنا الطين فقلت من أين فقال من الطين قلت إلى أين فقال إلى الطين فقلت من أنا فقال أنت أبو تراب فقلت أنا أنت فقال حاشاك حاشاك هذا من الدين في الدين أنا أنا وأنا أنا أنا ذات الذوات والذات في الذوات للذات فقال عرفت فقلت نعم فقال أمسك "
وبدلا من أن يقول المؤلف أن الرواية لا تصح لتناقضها مع كلام الله فحديث الهداة لا يمكن أن يكون صعب مستصعب لأن كلام الله سهل يسير كما قال تعالى " ولقد يسرنا القرآن للذكر "
الثانى التصديق برواية من أحسن الظن ولو بحجرا لقى الله الخير به إليه وهى رواية كفرية معناها أن من صدق أن الصنم وهو حجر أو خشب أو معدن ينفع بنفع وهو كلام لا يمكن ان يصدر من مسلم
وفى الإجابة قال الرشتى الكثير من عقائد الصوفية مختلطة بالفلسفة التى سنتعرض لها فى الفقرات التالية:
أقول : اعلم أن هذا الحديث الشريف رواه الشيخ رجب البرسي في كتابه مشارق الأنوار وهو من غرائب الأخبار ومفصلاتها قد تاهت في حله طامحات العقول والأحلام وخرت عن إدراكه الأكابر من الحكماء والعلماء الأعلام وقد أجبت إن كلف لشرح هذا الحديث الشريف في حال اجتماع القلب والحواس لأزيل عنه لواضح البيان كل شبة واشكال وإلتباس زإن لي في هذه الحال مع كمال تبلبل البال واخلال الأحوال وعروض الأعراض المانعة من استقامة الحال شرح حقيقة الحال والبسط في المقال واستخراج غوامض الأسرار ولكن الميسور لا يسقط بالمعسورفأقول : وبالله التوفيق إن السائل في جميع الأحوال والأطوار لم يزل مستمدا من العالي وسائلا منه المدد في التكوين والتشريع وفي العلم والتصوير والوجود ولما كان مولانا وسيدنا أمير المؤمنين هو العلي العالي الأعلى وهو المستعلى المشار إليه في الدعاء في الصحيفة السجادية بعد الفراغ من صلاة الليل (و استعلى ملكك علوا سقطت الأشياء دون بلوغ أمده و لا يبلغ أدنى ما استأثرت به من ذلك نعوت أقصى نعت الناعتين ، شرح نهج البلاغة 6/182 ) الدعاء ، ولما كان هو العالي وليس أعلى منه ومن أخيه وسيده رسول الله (ص) وهما حقيقة واحدة ولكنه في مقام التفصيل ومظهر أحكام الرسول كان مسؤول كل سائل ومطلوب كل طالب والسؤال إنما يسأل عنه والجواب إنما يراد منه فهو مجيب كل سائل وحلال كل مشكل بنفسه الشريفة أو بإبداله الأئمة الهداة أو بألسنته ونوابه وخلفائه وحملة علومه ومعارفه وسنته وآدابه لأنه الحكم الذي جعله الله للناس عند التشاجر والتنازع والاختلاف وقال عز وجل من قائل ((فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما )) ،"
الخبل هنا هو أن الرشتى جعل على العلي العالي الأعلى بقوله"ولما كان مولانا وسيدنا أمير المؤمنين هو العلي العالي الأعلى وهو المستعلى المشار إليه في الدعاء في الصحيفة السجادية بعد الفراغ من صلاة الليل (و استعلى ملكك علوا سقطت الأشياء "
وأقل الناس فهما سيعرف أن على هنا هو الله تعالى عن ذلك لأنه الأعلى والعجيب أنه ناقض نفسه فبعد أن جعل على وحده هو الأعلى عاد فجعله هو ومحمد(ص) فى نفس المرتبة فقال "وليس أعلى منه ومن أخيه وسيده رسول الله (ص) وهما حقيقة واحدة"
والجنون أن على ومحمد (ص)شىء واحد وهو بمثابة قول النصارى أن الثلاثة واحد فالاثنين هنا واحد
والغريب أيضا أن الرشتى جعل على " مجيب كل سائل" وهو ما يعنى أنه الله تعالى عن ذلك وهو بذلك يشبهه بالله فى قوله " أمن يجيب المضطر إذا دعاه"
والغريب أنه ناقض نفسه فجعل على ميتا وله أبدال هم الأئمة ولا ندى كيف يكون مجيب السائلين وهو ميت ثم قال:
"ولما جعله حاكما وبالحق ناطقا وللأمة هاديا و إلى الصراط دليلا مرشدا وللرشد بينا قال عز وجل من قاتل يوم نصبه وإظهاره علما و إلى الحق سلما ((اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم و اخشون اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا ،))
ولما كان الجهل بالحقائق والأسرار ليس من إكمال الدين ولا من إتمام النعمة بل هو نقص بالدين ونفي للنعمة ونقص لعرض الحكيم فإنه خلق الخلق من معرفة وجعل عليها دليلا من إرشاده بقوله ((هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة)وإذا ثبت أن أمير المؤمنين هو الحكم العادل والعلم الفاصل للخطاب توجه إليه السائل هل رأيت رجلا وهذا السائل على ما يظهر لي هو رجل من الكروبيين وهو رجل من الشيعة خلف العرش لو قسم نور واحدا منهم على أهل الأرض لكفاهم وهم الذين يصلحون لهاذ السؤال بلسان المقال والحال وفطرة والكينونة وأما ما عداهم فسائلهم محيض للسان المقالي دون الحالي و الإستعدادي وتقدير السؤال أنك يا أمير المؤمنين عليك وعلى الإسلام آلك السلام هل رأيت رجلا يعني إنسانا كاملا جامعا لجميع الكمالات ومهيمنا على معاني كل الصفات ومظهرا لجميع الظهورات بحيث يكون الكائنات كلها والموجودات بأسرها لديه كالرحى الدائرة على القطب وكالخاتم في الإصبع وذلك لكمال خضوعه لله وتسليمه لأمر الله وانقياده لحكم الله وطاعته لله والإذعان لأمره ونهيه ومراده بذلك يعرف الولي المطلق والمهمين القائم بالحق ليكمل إيمانه ويعظم إيقانه وينال بالإنقياد له في طاعة الله سبحانه من منتهى المرام من السكنى بالجنة دار السلام وهذا هو المارد بقوله هل رأيت رجلا إذ لو كان مطلق الرجل كان سآله سؤالا عن البديهيات وطلبا للضروريات وذلك من قبحه في نفسه لا يناسب هذا البيان الغامض لوجود التطابق بين السؤال والجواب فكيف يكون السؤال من البديهي "
ونجد الرشتى فى الفقرى يناقض نفسه فمرة يجعل السائل من الكروبيين وهو تعبير نصرانى يدل على حملة العرش من الملائكة ومرة يجعله رجل من الشيعة بقوله"وهذا السائل على ما يظهر لي هو رجل من الكروبيين وهو رجل من الشيعة خلف العرش "وحتى لو أراد أن الملائكة شيعة فهو أمر يتناقض مع كون الملائكة خلقت قبل البشر كما قال تعالى " وإذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشر من طين"ومن ثم من المحال أن يكونوا شيعة قبل وجود على وغيره
ونجد الرشتى يصف على بأوصاف الله وهى العلى الحكيم فيقول:
"ويجيب أمير المؤمنين وهو العلي الحكيم عن نظري الذي لا يصل إلى أدنى معاينة إلا واحد العصر وفريد الدهر وعلامة الكون فصح ما ذكرناه من أن مقصود السائل هو الرجل الكامل البالغ الحامل المهيمن في الظاهر والباطن والصورة والحقيقة على الوجه الأكمل والكمال الأبلغ الذي ليس دونه كمال ولا فوقه جلال ولا جمال في الرتبة الإمكانية الخلقية ولما كان الجواب يجب أن يكون على مقدار معرفة السائل وإدراكه وإلا فكان الجواب عبثا والمجيب لا يكون حكيما "
ويناقض الرشتى نفسه فيقول عن على هو الله بقوله" ويجيب أمير المؤمنين وهو العلي الحكيم " ثم يصفع بأوصاق الخلق المخلوقين فيقول:"الرجل الكامل البالغ الحامل المهيمن في الظاهر والباطن والصورة والحقيقة على الوجه الأكمل والكمال الأبلغ الذي ليس دونه كمال ولا فوقه جلال ولا جمال في الرتبة الإمكانية الخلقية"
ويبين الرشتى خبلا أخر هو أننا مخلوقين من شعاع نور المحمدية فقال:
"ولما كان الخلق كما ثبت بالأدلة القطعية من العقلية والنقلية قد خلقوا من شعاع نور المحمدية وأنت تعلم أن الشعاع والنور إنما يكون إشراقه وتحققه بعد تحقيق جميع مراتب المنير وتماميتها إلى كمال ظهوره في عالم الشهادة بإتمام جسمه وجسده فإذا تمت كينونة المنير ظهر وبرز منه الشعاع والنور فالنور مستمد في تذوته وتجوهره وتحققه إلى عالم الشهادة من المنير أي مقام جسمه كما ترى من استنار نور الشمس والسراج فإنهما مستندان إلى شهادة الشمس والسراج وظاهر جسمهما لا إلا غيبهما وحقيقتهما كما هو الظاهر المعلوم"
وقطعا نحن مخلوقين من آدم (ص) كما قال تعالى " اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء"
ومحمد(ص) لا يمكن أن يكون قبل آدم (ص) بأى شكل من الأشكال لأن له شجرة نسب معروفة عند القوم فلو كان قبله ما نسبل لأجيال من أولاد آدم(ص) ثم قال :
" فحيث كان الأمر كذلك كانت الموجودات من حجاب الكروبيين إلى مالا نهاية له مستنده إلى جسم الحقيقة المحمدية بعد تمام مراتبها من مقامات الأرواح والعقول والنفوس وتنزلها إلى عالم الأجسام والأجساد الجوهرية أراد أن يبين للسائل إن ذلك الرجل الكامل الذي هو الذات وذات الذوات في كل الذوات هو بشريتهم الظاهرة في مقام الشهادة الجسمانية ثم أراد أن يبينه إن عالم شهادتهم ليس هو ذاتهم وحقيقتهم وإنما هو سبيل ظاهريتهم ومقام انتهى إلى أشباحه وشؤونه كلما سويهم وإنهم في ذاتهم وحقيقتهم غيب لا يحاط به علما ولا ينال حدا ولا رسما ومع ذلك (( عباد مكرمون لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا )) وبشرح هذه الأحوال يكمل ويصف ذلك الرجل المفصال وغيره الحق عن حادثات الذوات والصفات والأفعال والأحوال فأشار إلى القسم الأول بقوله ، فقال رأيت رجلا وإلى الآن أسئل عنه ، وهذه الرؤية رؤية إحاطة عيان ولا إخبار يورث اليقين المعبر عنه بعلم اليقين المكنى عنه بالرؤية وهذا الرجل هو بشريتهم الظاهرة ، فإن شئت قلت بشريته أو بشرية باقي الأئمة فإنهم كلهم سواء في هذا المعنى ، فنحن نفرد الضمير ونشير فيما بعد إلى أمير المؤمنين لأنه في هذه الأحوال فخرهم وسيدهم وولي الأمر ويميرهم العلم أي يكمل ويقدر لهم من قوله تعالى { و نمير أهلنا } ولذا كان أمير المؤمنين دون غيره ، ومرادنا بالبشرية ليست هي الظاهرة في الخلق من قوله تعالى { و للبسنا عليهم ما يلبسون } وإنما المراد بها رتبة الجسم لأن الحدود على الوجه الأكمل إنما ظهرت في عالم الأجسام دون غيرها ، وظهور الشعاع والنور هو ذوات الموجودات وحقائقها ، وكينوناتها إنما تذوتت وتحققت وتأملت وتشيئت بعد تمام عالم الشهادة الذي هو عالم الجسم بالنسبة إليه فذوات الحقائق كلها إليه منتهى "
ونجد الرجل يخرف ففى الفقرة فيقول بجسمية الحقيقة المحمدية ومع هذا يقول أن لها مقامات الأرواح والعقول حيث قال فى الفقرة" مستنده إلى جسم الحقيقة المحمدية بعد تمام مراتبها من مقامات الأرواح والعقول والنفوس وتنزلها إلى عالم الأجسام والأجساد الجوهرية"
وقال الرشتى:
وقوله ( وإلى الآن أسأل عنه ) وهذا السؤل ليس عن جهل حاشا وكلا وإنما هو من قبل قوله تعالى { و ما تلك بيمينك يا موسى } وأمثالها ، وأنا أراد بهذا السؤال هو الكشف عن لسان كينونته وذاته وهو في مقام ذاته وحقيقته يفيض في مقام جسمه وهو أي دائما ينطق ويتكلم بنحو ما أخبر عنه ولما كان مقام الجسم مقام الانجماد والكثافة والغلظة ولا يكون ذلك إلا بغلبة اليبوسة والبرودة فإن الحرارة ترفق وتلطف وتذيب ، قال ( فقلت له من أنت فقال أنا الطين بعيني ) قلت للجسم الغليظ الذي كل الموجودات الكثيفة الغليظة واللطيفة الرقيقة تنتهي إليه ( من أنت وما حقيقتك وذاتك ) ليعلم الناس مقامك ومنزلتك مع ما أنت عليه من سمو المنزلة وعلو الدرجة فأجاب وقال ( أنا الطين أي أنا حقيقتي التراب ) أدنى المقامات وأسفل الدرجات لا درجة ولا مقام ولا مرتبة أسفل وأدنى من مرتبة ومنزلة ، فإن التراب له مقام يكون كل شيء من الموجودات بساطتها ومركباتها أعلى منها وإنما قال الطين ولم يقل التراب لأن الطين فيه إنجماد وانعقاد بخلاف التراب فإنه اعم من ذلك فمراده إن مقامي مقام الإنعقاد والكثافة بالنسبة إلى العوالم والمقامات التي فوقي فإنه مقام الذوبان ومقام ظهور الأسماء والصفات وأنحاء التجليات وأطوار الربوبيات بخلاف مقامي فإنه طين منعقد وتراب منجمد ، وأشار أيضا إلى كمال مقام العبودية والخشوع والخضوع والمسكنة والتذلل والامكان والفقر والفاقة وقلة الحيلة وظهور تمام الضعف وانفعاله المنطلق وانكتاره العام وعدم الارتفاع وكمال الانخفاض وأمثالها من المراتب المناسبة لمقام الطين والتراب ، فإن الجسم الشهودي بالنسبة إلى المقام الغيبي كما ذكر من لسانه المقالي والغالي ، فلو كان مقام أدنى وأقل وأضعف من التراب لعبر عنه بدو لكنه أدنى وأقل وأسفل من التراب ليس في الوجود شيء ، ولذا عبر عنه به ثم سئل تعليما له وثبتها للخلق حتى يقع السؤال ويذكر الجواب عن مبدئه ومادة وجوده وأصل نشوه وحقيقة ذاته"
ونجده يخرف مناقضا نفسه فيقول أن التراب أدنى المقامات وأسفل الدرجات بقوله"وقال ( أنا الطين أي أنا حقيقتي التراب ) أدنى المقامات وأسفل الدرجات " ويناقض نفسه بأنه لا يوجد له درجة ولا مقام فى قوله خلفها مباشرة"لا درجة ولا مقام ولا مرتبة أسفل وأدنى من مرتبة ومنزلة" ثم قال :
"فقال و فقلت له من أين فقال من الطين ، فلما كانت الأشياء لا تتعدى مبدئه وإنما ينتهي إلى ما خلقت منه ولما كان عالم الأجسام إنما خلقت من التراب بمعنى أنه من الجزء الغالب لأنه ليس فيها عنصر إلا التراب وإنما المراد إن الغالب فيه هذا العنصر والشيء إنما ينسب إلى الغالب كما يقال فلان صفراوي أو دموي أو بلغمي أو سوداوي مع أنه فيه غيرها ولكنه نسب إلى الغالب فلذا قال هذا الرجل العظيم الكريم مبدئي من الطين كما قال تعالى للملائكة { إني خالق بشرا من طين فإذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين } وقال تعالى { و من آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون } وقال تعالى { خلق الإنسان من صلصال كالفخار }"
ويعود الرشتى لمناقضة نفسه فمرة يقول أن الإنسان ليس له عنصرى إلا التراب فقط بقوله" لأنه ليس فيها عنصر إلا التراب" ويعود فيبين تعدد العناصر مع التراب فيقول " وإنما المراد إن الغالب فيه هذا العنصر والشيء إنما ينسب إلى الغالب كما يقال فلان صفراوي أو دموي أو بلغمي أو سوداوي مع أنه فيه غيرها" ثم قال :
" وقال تعالى { منها خلقناكم } ولا ريب أن آدم أبو البشر أبو الأجسام والأجساد دون الأرواح والأشباح ، فثبت أن الجسم إنما خلق من الطين وهو الغالب ولذا صح الانعقاد والانجماد وسكنوا الأرض واستقر في التراب كل ذلك رعته المناسبة الفطرية والمشابهة الكينونية ولما كان المقام مقام الجسم أنى بالجواب الصواب ، وقال ( أتيت من مقام الطين والتراب ) خلقت منه عبره لألي الألباب ثم سئل بلسان إمداده وإفاضته من الرجل الجسماني عوده ومنتهى سين
وقال فقلت له ( إلى أين ) فقال بلسان مقاله واستمداده واسترفاده وكينونته ( إلى الطين ) لما كانت الأشياء تعود إلى ما بدأ منه وهذا الرجل الكامل إنما كان بدأ إيجاده وحقيقة انوجاده من الطين كما نص عليه سبحانه واعترف هو تباعا لله سبحانه فيكون عوده إليه وهو قوله تعالى { كما بدأكم تعودون } وقوله سبحانه إشارة إلى هذا الرجل وأنوار أشباح نوره بالتبعية { منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى } فهذا الرجل هو الرجل خلق من الذليل ويعود إلى الذليل وذلك بالنسبة إلى خالقه ومبدئه والمراتب المتقدمة علية من نحو قولة علية السلام في الزيارة الجامعة (و ذل كل شيء لكم ، من لايحضره الفقيه 2/615 ) لأن مبدأ الأشياء وعلة وجودها إذا ذلت الشيء فالأشياء بالطريق الأولى لأن المعلول ذليل علته عند والشعاع ذليل عند منيرة والفروع ذليلة عند أصولها فإذا كان المنير والأصل ذليلا لشيء فهو بالتذلل أولا ولما كان الإمام أمير المؤمنين قد ظهر للعالم في مقام جسميته وليس للخلق طريق إلى مقام ما وراء هذا المقام حتى يعرفوا بما عندهم من العلة لأن حقائق الموجودات كلها منقطعة عند هذه الظاهرية التي تنتهي إلى مقام جسمه الذي هو أسفل مراتبه وآخر مقاماته ولا ترى الأشياء فوق هذه الرتبة رتبة ولا وراء هذه المرتبة مرتبة وترى أن تلك الحقيقة الإلهية منحصرة في هذه الرتبة الجسمية أراد كشف هذه الحقيقة وذكر هذه الدقيقة وبيان إن الذاتي هو منير ومبدأ لما سواه من الذوات والصفات أولا وأكمل بل هو المتعين إذ العالي يعرف مقامة للسافل الذي تنتهي إليه نسبته ولذا سأله مبينا للمقال وتوضيحا لشرح حقيقة الحال كما قال تعالى لعيسى ((يا عيسى ابن مريم أ أنت قلت للناس اتخذوني و أمي إلهين من دون الله)) حتى يقول ((سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق)).
فمن هذه الجهة سؤل أمير المؤمنين هذا الرجل الكامل الترابي دفعا لشبهته ما تخيل الناس من جهلهم بحقيقة الواقع أو يلبس عليهم أهل التلبيس "
والرشتى يقول هنا ان مقام على هو الجسمية بقوله" ولما كان الإمام أمير المؤمنين قد ظهر للعالم في مقام جسميته وليس للخلق طريق إلى مقام ما وراء هذا المقام "وهو ما يخالف كونه من النور لأنه الحقيقة والذات بقوله"وظهور الشعاع والنور هو ذوات الموجودات وحقائقها"
ثم قال الرشتى مكررا كون على من النور :
"فقال: فقلت من أنا فقال أنت أبو تراب فقلت أنا أنت فقال حاشاك حاشاك هذا من الدين فسئل أولا عن رتبة مقامه ومرتبة ذاته وحقيقته .
فأجاب الرجل بالرسم والأثر فقال أنت أبو تراب يعني ليس لي حظ من معرفة ذلك وحقيقتك إلا إني فرع من فروعك وشعبة من شعب نورك وحيث كنت أنا التراب وقد انشعبت عنك وتفرعت منك وتقومت بك وتحققت لك وأنا بيت ظهوراتك ومأوى تفاصيل حدودك فأنت أبو تراب والمراد بل أب هو الأصل الذي تفرع عنه الفروع والأصول وتقومت به وحيث إني خلقت من التراب وعودتي إلى التراب وأنا إنما تقومت بك وتحققت بك فأن أبو تراب فلاحظ لي بمعرفتك أكثر من ذلك وإليه يشير الشاعر بقوله :
منتهى الحظ ما تزود منه اللحظ
والمدركون ذاك قليل"
والمقصود قوله"يعني ليس لي حظ من معرفة ذلك وحقيقتك إلا إني فرع من فروعك وشعبة من شعب نورك "
وقال خالطا الأمور ببعضها :
"فليس لي بحقيقتك وذاتك ولا بالأطوار مراتبك ولا بأسرار حقيقتك ما أعرفك إلا أنه أصلي وبك تحققي أنك البشري الذي خلق من الماء في قوله تعالى (( و هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا و صهرا ))
ولا ريب أن هذا البشر ليس غيرك وحيث إنك خلقت من الماء وأنا من التراب والماء أصل وبك تحققي لأنك وأب للتراب فأنت إذا أبو تراب فلما كشف عن حقيقة المقال وصرح بحقيقة الحال وبين أنه عاجز عن إدراك ذاته وحقيقته فضلا عن الوصول إلى درجة ومرتبة أراد زيادة التوضيح وزيادة البيان وشرح حقيقة الحال بالتصريح فقال فقلت أنا أنت وأنت أنا يعني معك متحد الحقيقة ومتحد الذات كما يتراء للخلق فأجاب بكله وسره ولبة وقال حاشاك حاشاك أنت أنت أجل من أن تنسب إلي بتحاد الحقيقة وأنت وأنت أعلى من أن يقال أنا أنت أنت السر ألا ريب وأنت الغيب الذي لا يدرك أنت في نقام ألا تعين أنت أول قصبة الياقوت أنت حجاب الله في اللاهوت وأنا شخص ناسوتي ووجه شهودي وأصل ترابي وأين التراب ورب الأرباب أين الثرى من الثريا أين السافل من العالي أين المادي من المجرد المحض أين المستمد من المدد أين الفرع من الأصل أين النهاية من لا نهاية أنت الأصل وأنا الفرع أنت لا تعين وأنا آخر مراتب التعيين أنت الغير المحدود وأنا المحدود في أدنى مقامات الحد أنت الغير المتناهي وأنا المتناهي أنت في حجاب الواحدية وأنا في الرسوم الجسمية أنت سر اللاهوت أنا أصل الناسوت أنت البحر التيار المتلاطم أنا القطرة المنعقدة المنجمدة ببرودة الإنية أنت شمس الأزل أنا كوكب عالم المثال أنت سر المثال وأنا فرع المثال ولكن بين المثال أنا فرع له والمثال الذي أنت سر له مراتب لا تتناهى ولا تتكيف بل لا نسبه ولا إرتباط أنت أنت سر الاسم الأعظم الأعظم الأعظم وأنا اللفظ الأدنى الأدنى أنت سماء الكرامة وأنا أرض المذلة وأنت ماء الحياة وأنا تراب الممات أنت معدن العلم أنا مظهر الجهل أنت سر الرفعة وأنا منتهى الضعة وبالجملة فأين الثريا من يد المتناول وأين أنا منك حتى يقال أنا أنت ثم لما استبعد وتحاشى عن هذه النسبة كما تحاشى واستبعد عيسى ونزه ربه وقال (( سبحانك )) كذلك هذا الرجل الكامل والإنسان الواصل عرف مقامه مع مبادئه العالية وجواهر أوائل العلل وخضع واستكان واعترف وأبان ثم أراد أن يبين إن هذا الذي ذكرت وهذا الجواب الذي فصلت هذا من الدين الذي يجب علينا أن نعتقده ونقر به ونعترفه وإلا فما أنا والوصول إلى رتبه مقامك لأني ما أقول إلا ما هو في مقامي وما درك إلا ما يناسب رتبتي كما قلت سيدي (إنما تحد الأدوات أنفسها و تشير الآلة إلى نظائرها ، بحارالأنوار 4 / 229)"
وفى الفقرة السابق يخلط الرشتى الفلسفة بالنصرانية من خلال الحديث عن اللاهوت والناسوت والعالى والسافل ....وهو كلام لا يصدر من المسلمين لأنه كلام يتعلق عندهم بما يسمونه طبيعة المسيح (ص) الإلهية تعالى الله عن ذلك وطبيعته الإنسانية المخلوقة وهو كلام اتهام لله تعالى عن ذلك واتهام لأمه مريم(ص) ثم قال :
"ولكن الذي أدين به والطريق الذي أسلكه دعاني هذا الإقرار و الاعتراف فقولي هذا من الدين الإلهي وفي الدين نعني لدين كما يقال الحب في الله أي لله فاعترافي هذا للدين أدين به الله وأعتقده فإنه يجب على من الله أن أسلم لأهل الفضل فضله وانقاد واخضع للذي فضله الله على وعلاه إلى مقامه وهذا شرح حالي وحقيقة ذاتي أما ذاتك فلا أعرفها سوى أنك أبو تراب وأما ذاتي فهي التي عرضتها عليك وأنت أعلم به مني بأني الطين ومن الطين وإلى الطين وما أنت أنا فحاشاك حاشاك أين التراب ورب الأرباب وأين الثريا من يد المتناول فلما شرح هذا الرجل مقام خضوعه وخشوعه وتسليمه وانقياده لباب مدده أراد أن يبين مقامه بالنسبة إلى غيره من سائر المخلوقات والموجودات والذوات والصفات والحقائق والمجازات والجواهر الأعراض والأصول والفروع وسائر مراتب الموجودات فقال أنا أنا وأما أنا اعلم إن أنا إنما يقال عند التعين والتشخص وحمله بأنا أيضا للدلالة على الاستقلال والتذوت والتحقق كما في قولهم أنت أنت فأنت المحمول ليس من باب حمل الشيء على نفسه وإنما يراد به الاستقلال والتذوت والكمال فقوله أنا أنا يعني إني المتفرد المستقل الكامل وأليه الإشارة بقوله في عمران الصابي في معنى الاختراع أنه (خلق ساكن لا يدرك بالسكون ، بحارالأنوار 10 316)يعني خلق مستقل بالنسبة إلى ما عداه بالله سبحانه لكن لا يدرك بالسكون الذي هو ضد الحركة إذ ليس هو المراد من هذه العبادة وإنما يراد به الاستغلال والتذوت الإضافيان وإنه وإن كان مستقلا لكن حين تذوته وإظهار أفعاله لا يلحظ ولا يدرك ولا ينظر إلى استقلاله وإنما الاستقلال لله سبحانه وتعالى ، فحين لا يلاحظ استقلاله مستقل متذوت وإن لوحظ استقلاله فإنه مضمحل فاستقلاله في اضمحلاله محدد له في استقلاله وهو قول أمير المؤمنين في صفة النفس الملكوتية الإلهية (نعيم في شقاء و عز في ذل بحارالأنوار 58/85) الحديث ، وإلى هذا المعنى أشار قول الشاعر :
اقتلوني يا قطاتي إن في قتلي حياتي
وحياتي في مماتي ومماتي في حياتي"
ثم زعم الرشتى خلق الموجودات ومنهم الشيعة من الحقيقة المحمدية فقال:
فإذا عرفت المراد من قوله حكاية عن الرجل الترابي ( أنا أنا ) فاعلم أن الموجودات ما سوى الحقيقة المحمدية إنما خلقت من فاضل شعاع نورها والروايات به متظافرة متواردة وهو قوله ( إنما سميت الشيعة شيعة لأنهم خلقوا من شعاع أنوارنا )( اللهم إن شيعتنا خلقت من شعاع أنوارنا ، بحارالأنوار 53/302) ولا ريب أن الأثر والشعاع إنما يكون بعد تمام المنير في جميع مراتبهم الذاتية في تنزلاته إذ الشيء قبل أن يتم كينونته لا يمكن أن يكون مصدورا ممتنا للشيء الآخر بالضرورة ولما كانت مراتب التنزلات كما برهنا عليه في سائر مصفاتنا وأجوبتنا للمسائل انتهت غلى عالم الجسم وهو الرتبة السادسة التي بها تمام الشيء فيكون النور المتشعشع المشرق على جميع قوابل جميع الكائنات وذرات الموجودات من فاضل نوره أس نور الجسم وهو الرجل الترابي فلجسمه الشريف هيمنة واستقلال بالنسبة غلى جميع ما سواهم وهذا الاستقلال عين الاضمحلال كما فسرنا لك وفسر لك الرجل بأنه من الطين وإلى الطين وإنه هو الطين "
وهو كلام إما أن الرجل جاهل به وإما إنه يريد إضلال الناس فمعنى خلق الموجودات من الحقيقة المحمدية وهى النور والشعاع أنه لا يوجد كفرة ولا يوجد أعداء للشيعة لأن الكل خلق من نفس النور
ثم قال :
"وأي خضوع أعظم من ذلك ولكنه مع هذا الاستقلال له هيمنة واستقلال واستعلاء على كافة الموجودات من الكروبيين والأنبياء والمرسلين وجميع المخلوقين فهو وإن قال أنا من الطين و إلى الطين بالنسبة إلى أبي تراب ولكنه بالنسبة إلى غيره قال ويقول أنا أنا يعني المتفرد المستقل وكلما سواه جعلني الله سببا لإمدادهم وإفاضتهم فأنا بالنسبة إلى الغير أنا "
وهنا يعتبر الرشتى على أفضل من الملائكة والرسل حتى محمد (ص) لهيمنتهخ عليهم ولا ندرى أين الهيمنة والعلو عليهم وهو ما يتناقض مع ما ذكره الرشتى فى أول الكتاب من كون محمد(ص) وعلى أخوين لا يعلو أحد منه على الأخر ثم قال:
"وبالنسبة إلى أمير المؤمنين وحقيقة طين وتراب فافهم الفرق واعرف الصدق وتفهم المقال وعلى من يفهم الكلام السلام وإنما قال انا أنا مرتين لأن الموجودات لا تخلوا من مقامين مقام التبوع ومقام الأصول ومقام الفروع ومقام المبدأ ومقام المشتق ومقام الإجمال ومقام التفصيل ومقام الغيب ومقام الشهادة ومقام العلة ومقام المعلول ومقام المنير ومقام النور ومقام الكلمة ومقام الدلالة ومقام الظاهر ومقام الظاهر ومقام التعيين ومقام اللاتعيين ومقام المقدمات ومقام النتيجة ومقام الوحدة ومقام الكثرة ومقام العالي ومقام السافل ومقام اللفظ ومقام المعنى ومقام الألف ومقام الحروف ومقام الحركة ومقام الآثار وبالجملة فجميع الموجودات لا تخلوا من هذين القسمين وهذا الرجل الترابي أبو البشر الجسماني الجسداني هو المستقل المتفرد في هذه المراتب كلها فهو الذي يقول أنا أنا في مقام المتبوع ويقول أنا أنا في مقام التابع ويقول أنا أنا في مقام الأصول ويقول أنا أنا في مقام المبدأ ويقول أنا أنا في مقام المشتق ويقول أنا أنا في مقام المنير ويقول أنا أنا في مقام النور وهكذا سائر المقامات التي لا تخلوا من المقامين والكل إليه مستند وبه معتد وعنه يستند فهو عاد العدل ومنتهى المدد فهو لا غيره وهو الذي ورد أنه دابة الأرض و الذي ورد أنه أمير المؤمنين فالمراد أنه إياها من حيث ظهوره في عالم الأجسام وتلبسه لباس النقش والأرسام وإلا فهو في رتبة ذاته برأ المعاني عن صفات الجواهر يحل عن الأعراض والأين و المتى ويكبر عن تشبيهه بالعناصر فاستناد الكائنات وحقائق الذوات إلى مقام جسمه وشخص رسمه وجسمه بنوره جعله الله تعالى سببا للإفاضة والإمداد والاستمداد وقوله في زيارة آل ياسين هذا شيء منا ألا وأنتم له السبب يراد بهذه المسبب في مقام الجسم لا حقيقة ولكنه ليس ذلك هو الجسم الظاهر بمدلول قوله تعالى ((و للبسنا عليهم ما يلبسون)) وقوله تعالى ((أنا بشر مثلكم يوحى إلي)) وقوله تعالى (لقد جاءكم رسول من أنفسكم))"
والغريب أن الرشتى يقول إن للموجودات مقامين فقط بقوله " لأن الموجودات لا تخلوا من مقامين" ةيعود فيذكر أكثر من عشرات مقامات فى الفقرة السابقة
ونلاحظ الجنون وهو وصف على بوصف الله فيقول فى الفقرة السابقة" وإلا فهو في رتبة ذاته برأ المعاني عن صفات الجواهر يحل عن الأعراض والأين و المتى ويكبر عن تشبيهه بالعناصر" ومع كونه الله فى الكلام السابق وهو ليس الله قطعا يعود الرشتى لوصفه بالجسمى وأنه يستمد كل قواه من الله فيقول فى الفقرة السابقة" فاستناد الكائنات وحقائق الذوات إلى مقام جسمه وشخص رسمه وجسمه بنوره جعله الله تعالى سببا للإفاضة والإمداد والاستمداد"
ويعود فى نفس الفقرة لنفى الجسمية عن على بقوله" ولكنه ليس ذلك هو الجسم الظاهر والأغرب فى الفقرة التالية أنه يعتبر على والأئمة مخلوقين ولكن بصورة أخرى فيقول:
"بل المراد به هو الجسم الذي أشار إليه مولانا السجاد بقوله (( ولو ظهرنا للناس بالصورة التي خلقنا الله عليها ما رآنا أحد إلا وقد مات ))"
ويقول:
" كيف لا وقد روي عن الصادق على ما في الصافي وكز دقائق وبصائر الدرجات وغيرها من الكسب المعترة إن الذي تجلى لموسى على نبينا و فخر موسى صعقا واندك الجبل وهلك بنوا إسرائيل رجل من الكروبيين أمره الله سبحانه أن يتجلى لموسى إظهار الكمال قدرته سبحانه بمقدار سم الإبرة من نور ذلك الرجل وهو ملك من الكروبيين والملائكة خدامهم فما ظنك بهم لو ظهروا بصورتهم الأصلية إذن والله هلكوا وقد ورد أن الحورية لو علقت شعرة فيها بين السماء والأرض لماتت أهل السماوات والأرض من حسنها وطيبها وورد أن المؤمن جالس على سريره في الجنة فإذا بنور عظيم قد اشرق عليه فمن أعظم ذلك النور ظن أن الجبار قد تجلى له فرفع رأسه ونظر فإذا الحورية أشرقت على بصره وسريره فلما نظرت إليه تبسمت وهذا النور هو المشرق من ثناياها فإذا كانت ثنايا الحور هذا صفة نوره فما ظنك بسائر جسده والجنة بحورها وقصورها كافة خلقت من نور الحسين فما ظنك بنوره لو ظهر فتبن لك مما بينا أن الذي ظهر حجاب قد احتجبوا الرعية حتى يتمكنوا من رأيتهم وينظرون إليهم من وراء الحجاب وأما جسمهم الحقيقي الذي مقام ترابهم فهو الذي بإشراق نوره تذوتت الموجودات وتحققت الكائنات وبذلك النور الظاهر من هيكل ذلك الرجل فتح الله الوجود وبه يختم فافهم .المراد وكن من أهل السداد لتهدى إلى سبيل الرشاد فذلك الرجل الترابي هو الذي يقول أنا أنا وأنا أنا وأنا أنا وأنا أنا وهكذا إلى ما لا نهاية له بتعبير استقلاله وتجوهره بالنسبة إلى الكائنات وحقائق الموجودات وما يلحقها من الأعراض والشرعيات فما أبان الرجل الطيني والهيكل الترابي بما جعله الله له من الحيثية والاستقلال والاستغلاء على سائر الذرات"
والرشتى هنا يقول أن من تجلى للجبل هو ملك من حملة العرش وهو ما يناقض قوله " فلنا تجلى ربه للجبل" والتجلى أساسا ليسوا ظهور الله وإنما أمر صدر من الله لأنه خارج الكون وهو المكان
ونلاحظ نور الحوريات المزعوم المستمد من مخلوق هو الحسين وهو رجل ميت لا يقدر على شىء هو وعلى وغيرهم من الموتى ولو كانوا يقدرون على شىء لمنعوا العذاب والقتل عن أنفسهم ولنصروا شيعتهم دون حاجة لسلاح أو حرب ولكنها النفوس التى ضلت وأضلن
ثم قال الرشتى:
"وعبر عن ذلك بالضمير المفصل أراد إيضاح الأمر وتبينه مع مزيد فائدته قد مرت وأشار إليها في مطاوي جوابه حيث كان الجواب لبيان الغير وتعلمه كما سئل أمير المؤمنين رسول الله (ص)عن أحوال الملائكة وفضل الأنبياء عليهم وهكذا سائر سؤولات الأئمة ولأنهم أعلم من السؤول من أنفسهم بتلك المسألة ولو كان السؤال لهم كان قبيحا ولولا للمصلحة لظهور الجواب في هذا المقام من نفس الرجل حسب ما أشار إليه أجاب بل وقف وجهد وسكن وأعرف بالفجر كما فعل سلمان لما قال أمير المؤمنين إلى أن قال يا محنة أيوب فلما سأله أمير المؤمنين قال أو تدري ما محنة أيوب قال لا أدري وهذا الرجل أفضل من سلمان بل من جميع الأنبياء وأعرف وأعلم منهم فكيف يتصدى بالجواب لكن لما كانت المصلحة في جوابه بلسانه خاصة لمصلحة تقمت الإشارة إليه الباب ثم أراد الإيضاح في الأمر والشف عن قوله أنا وأنا أنا وأنا فقال أنا ذات الذوات والذات في الذوات للذات يعني الذوات والحقائق وإن تأصلت وتحققت والجواهر إن تجوهرت إلا أن تحققها تجوهرها بي فأنا الذات التي قالت تلك الذوات والجواهري فأنا ذات لها فهي بالنسبة إلى العراض وإن كانت ذواتا وجواهر وإلى هذا المعنى أشار الشاعر بقوله في مدحه :
يا جوهرا أقام الوجود به والناس بعدك كلهم عرض
وهذا العرض القائم ليس قيامه عروضيا كالألوان للأجسام بل القيام صدوري كقيام الأشعة بالمنير والأنوار بالشمس والصور بالمرايا بالشاخص الخارجي فلما بين الرجل أنه الذات لتلك الحقائق وإنها قائمة بها أراد أن بين أن هذا القيام أي قيام الأشياء به وتقويمه إياها ليس باستقلال من نفسه ولا مشاركة مع ربه ولا تفويض يوجب الاعتزال بل هو ملك وعبد للذات الحق سبحانه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا وهو سبحاه القائم على كل نفس بما كسبت ولكن هذه الذات جعلها الله سبحانه سببا لقيام الأشياء وتحققها وفي الزيارة (فما شي ء منا إلا و أنتم له السبب بحارالأنوار 99/92 ) كما أن الماء والتراب سبب الزرع والله سبحانه هو الزارع فنفا عن نفسه الاستقلال وأثبت أنها ملك للغير وحقيقتها الطين ومرجعها الطين ومع ذلك مصدر هذه الأفعال العجيبة والآثار الغريبة وأول جواهر العلل فلا يتوهمن متوهم أنه مستقل في إظهار هذه الأفعال والآثار أوله شراكه مع الله تعالى أو أن الله سبحانه فوض إليه الأمر بل هو السبب الأعظم بالإفاضة والإمداد والإعطاء والله سبحانه هو الذي يجري فعله بالأسباب حتى اشتهر عند جميع الناس من العوام والخواص ((أن الله أبى أن يجري الأشياء إلا بأسبابها )) وذلك الشيء معلوم قال قال عرفت فقلت نعم قال فامسك وهذا القول من الرجل لأمير المؤمنين مع كماله ومعرفته وعلمه بأنه أعلم بنفسه من نفسه فضلا عما يتعلق بغيره كان من باب إياك أعني واسمعي يا جارة فالمقصود الرعية الغير المطلعين كما أن الله سبحانه بعد أن رفض بالقرآن قصة نوح وسائر الأنبياء قال ((كلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك)) وهو (ص)كان ثابت الفؤاد قبل أن يخلق آدم لأنه ق كان نبيا وآدم بين الماء والطين وذلك أيضا يراد به قومه فإن خاطبه بنفسه ق وكذلك قوله تعالى ((ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر))
وأي ذنب كان لرسول الله وبالجملة فقد قال الصادق القرآن من باب إياك أعني واسمعي يا جارة (نزل القرآن بإياك أعني و اسمعي يا جارة الكافي 2/630) وكذلك قول الرجل لأمير المؤمنين عرفت فإنه يريد به قومه وشيعته وذلك ظاهر معلوم ثم إن أجاب عن شيعته قال نعم كما أجاب رسول الله ق غرامته لما عرض عليه التكليف وأجاب (ص) قال تعالى ((آمن الرسول بما أنزل إليه )) ثم إنه ق أجاب غرامته كما أخبر الله عنه وقال ((و المؤمنون كل آمن بالله و ملائكته و كتبه)) ، وكذلك في المقام أجاب أمير المؤمنين غرامته فقال نعم ثم أومى أمته ورعيته وشيعته بالامساك وحفظ السر وعدم إذاعته مادامت الدولة للفاسقين فقال أمسك من باب إياك أعني واسمعي يا جارة فافهم الكلام ولو أردنا شرح جميع ما أعرف من المعاينة لاقتضى مجلدا كبيرا وأنا في شغل عن ذلك"
ونجد الرشتى هنا ينفى عن على كل ما قاله سابقا من أوصافا الألوهية وأنه المفوض عن الله بقوله " أراد أن بين أن هذا القيام أي قيام الأشياء به وتقويمه إياها ليس باستقلال من نفسه ولا مشاركة مع ربه ولا تفويض يوجب الاعتزال بل هو ملك وعبد للذات الحق سبحانه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا"
مواضيع مماثلة
» نقد كتاب التحقيق في مسألة التصفيق
» قراءة فى كتاب مسألة في الإرادة
» نقد كتاب مسألة الحكم ابن أبي العاص وطرد النبي (ص) له من مكة
» قراءة فى كتاب مسألة في الإرادة
» نقد كتاب مسألة سبحان لنفطويه
» قراءة فى كتاب مسألة في الإرادة
» نقد كتاب مسألة الحكم ابن أبي العاص وطرد النبي (ص) له من مكة
» قراءة فى كتاب مسألة في الإرادة
» نقد كتاب مسألة سبحان لنفطويه
كعبة الله :: الفئة الأولى :: المنتدى الأول :: القرآنيات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى